استضافت منصة اليوبيل في إكسبو 2020 دبي، ليلة السبت 29 يناير، حفلا فنيا مميزا للموسيقي البريطاني العبقري جاكوب كولير، في أول عرض فردي يقدمه منذ ثلاث سنوات. ويُعرف جاكوب، الذي يبلغ من العمر 27 عاما، وحاز خمس جوائز غرامي، بقدراته الصوتية المتعددة الطبقات، وإبداعاته الموسيقية المذهلة، فضلا عن قدرته على العزف على العديد من الآلات الموسيقية.
التقى فريق إكسبو للخدمات الإخبارية بكوليير، قبل وقت قصير من اعتلائه منصة اليوبيل، حيث تحدث عن الإلهام الذي حصل عليه من زيارته لإكسبو 2020 دبي، وعن عمله مع مُتعهد حفلات الموسيقى الشهير كوينزي جونز، وعن شعوره إزاء النظر إليه كعبقري في مجال الموسيقى، وكان هذا الحوار:
ما هو أكثر ما استرعى إعجابك في إكسبو 2020 دبي؟
يتسم موقع إكسبو 2020 دبي، بذلك الحس الذي يطلق العنان لمخيلتك حول كل شيء، كالهندسة المعمارية والتكنولوجيا وتصميم المكان، وكل هذه المنحنيات والحواف، فضلا عن الطابع العالمي الذي يتسم به. وبصفتي موسيقيا، لطالما تاقت نفسي للتعرف على العالم من كافة جوانبه، وهو ما تحقق هنا على أرض الحدث الدولي، الذي يُمثل مساحة رائعة تمكن الزائر من الحصول على نسخة مختصرة من كل شيء موجود في هذا العالم “بحجم كتاب الجيب”، لتصنع منها شيء خاص بك. لقد تذوقت الطعام، واستمتعت برؤية المعالم الخلابة، وتجولت في ساحة الوصل، إن إكسبو 2020 مكان مذهل، وقد استلهمت منه العديد من الأمور، كعادتي في الحل والترحال.
التنقل هو أحد الموضوعات الفرعية الثلاثة في إكسبو 2020 دبي، فكيف تستخدم مفهوم التنقل لدفع عجلة الأمور التي تتعلق بموسيقاك إلى الأمام ؟
أتطلع دوما لمعرفة ما بوسعي إنجازه على الصعيد الموسيقي والإبداعي، مع توثيق الروابط والصلات التعاونية. لذا فإن قدومي إلى إكسبو 2020 ملأني برغبة عارمة بالعودة إلى بداياتي الأولى بطريقة ما، فعلى الرغم من أنه عالم يغلب عليه الطابع المتخصص في التقنيات والخيال، إلا أنه يتمحور حول البشر، وعرضي الفردي هو بمثابة أطروحة تتمحور إلى حد حول التنقل، حيث أردت أنّ أقوم بهذه الجولة الموسيقية للترويج لهذا الألبوم بدون فرقة، لاسترجاع ما كنت أقوم به بمفردي في غرفتي عام 2016، ضمن مساحة لا يوجد فيها سوى الآلات الموسيقية. لذا كان هدفي يتمثل باستخدام مزيج من الآلات الموسيقية الأصلية التي تتسم بنمط تماثلي، بالإضافة إلى التوجه نحو استخدام التقنيات الحديثة على نحو مكثف؛ لصهر روائع الإيقاعات الموسيقية ضمن بوتقة واحدة، ولكن من دون أن يجتاح السامع إحساس بأنه يقبع داخل آلة إلكترونية أو أنها وسيلة يراد بها التحايل. ويتمثل التحدي القائم مع جميع المنتجات التقنية اليوم، في كيفية إيجاد الإنسان للطريقة الملائمة ليكون في طليعة ما يحدث، بدلا من أن تحتل التقنيات منزلة مُتقدمة ويتراجع دور العنصر البشري إلى منزلة متأخرة.
هل ترى أنه لا توجد حدود لإبداعك؟
أعتقد بأن كوني شخص مبدع، فإنه يتعين علي تجربة كل شيء، وخوض غمار الحياة حتى أنال ما أُريد. عندما تستقي ما تتعلمه من الناس والثقافات السائدة حولك، ينتابك إحساس بأنك تنهل من معين لا ينتهي أبدا، وهو ما يجعل إبداعي الموسيقي مستمر. فأنا أبحث باستمرار عن مادة جديدة أو إحساس جديد وأرنو للارتقاء نحو مستويات أعلى، فلا توجد لحظة سأقول فيها: “لقد انتهيت من عملي في الموسيقى”، فبوسع الموسيقى أن تأخذنا نحو عوالم عميقة ولا نهائية، لا سيما بحلول عام 2022، حيث تتوفر الكثير من الإمكانات السانحة للجمع بين الأنماط والأفكار والإيقاعات والأصوات، وإعادة صياغتها على نحو مختلف- إنه لأمر مدهش بشكل لا نهائي.
هل هناك آلات موسيقية لم تعزف عليها بعد؟
لم أعزف بعد على الغيتار ذو الدواسة الفولاذية، وهو الآلة الموسيقية التالية على قائمتي. حيث تعزف الآلة وهي موضوعة على الحِجر، وفي نفس الآن يتحكم بها العازف عن طريق الدواسات، وهو نظام لم استطع فهمه على الإطلاق. فبوسعي فهم آلية عمل الآلات الوترية، ويمكنني فهم كيفية عمل المفاتيح الموسيقية، والإيقاعات، والأصوات، لكن الدواسات هي لغة جديدة لازلت أحاول فهمها.
لكنك تستخدم الدواسات على خشبة المسرح وأنت حافي القدمين؟
هذا صحيح بالفعل. يُطلق على إحدى الأدوات الموجودة على خشبة المسرح اسم “الهارمونايز أو “المُنسق” وهو عبارة عن جهاز يختص بتنسيق النغمات الصوتية. فحين أغني نغمة موسيقية، بجانب عزفي على الآلة الموسيقية الوترية، ستُمكنك هذه الآلة من سماع النغمات الموسيقية التي أعزفها تصدح في ذات اللحظة بصوتي، لذا فهي مثل جوقة موسيقية تُبدع أصوات عفوية، ولكونها تحتوي على أزرار صغيرة يصعب الضغط عليها، لذلك وضعنا الملاعق عليها كدواسات، وبالتالي لا يمكنني عزف الموسيقى بالحذاء أو الضغط على زرين في وقت واحد، فالغاية من قيامي بذلك هو تمكين إصبع قدمي الكبير من الوصول بسهولة للضغط على الزر المستهدف.
لم تشارك الكثير من الأمور التي تفعلها عبر شبكة الإنترنت، ولا نعني هنا الموسيقى فقط، ولكن كافة الخطوات التي تتخذها للوصول إلى غايتك المنشودة؟
هذا سؤال جميل للطرح، أعتقد أن الجميع لديهم القدرة على تحديد الخلفية التي نشأت فيها الموسيقي وإلى أين تتجه، ومنذ أن تم النظر إليها كلغة مشتركة، أصبحت الموسيقى أكثر تلونا وزهوا، وأنا لم أستطع أبدا فهم أولئك الأشخاص الذين يحكمون قبضتهم على الأشياء، ويقولون: “لا ، هذا الشيء يخصني”. أعتقد أن الموسيقى هي أمر رائع يستدعي الاحتفال ويزداد بهجة بالمشاركة، فالموسيقى عملية جميلة، وتجعلني أكثر قدرة على فهم المشهد الموسيقى من خلال الانغماس في غمارها والغوص في أعماقها، وقد سهّل الإنترنت الحصول على كل تلك الأشياء المتوفرة في ذلك الفضاء الإبداعي.
وهل هذا هو سبب إشراكك للجمهور في عروضك؟
بالطبع! فلا يوجد صوت أفضل من أصوات 1000 شخص يغنون معا، فالصوت يتسم بأنه ذي طابع إنساني له أثر عميق، لذا فإن إخراجه من الناس هو تمرين ممتاز، لجعل الموسيقى بمثابة الدم الذي يتدفق في عروق الجميع.
هل ترى أنه من المهم جعل الموسيقى، التي يُنظر إليها على أنها رفيعة المستوى، في متناول الجميع؟
في نهاية المطاف، تتسم الموسيقى بالبساطة، وبنظري هي عبارة عن موجة قادرة على تحريك الهواء، وشخصيا أعتقد أن هناك فرق عميق بين البراعة والتعقيد. مع البراعة، تكون المهارة في المقدمة، والنتيجة في الصفوف الخلفية. في حين أن التعقيد موجود في كل مكان، خذ الزهرة مثالا على ذلك، فهي تمثل واحدة من أكثر الأشياء تعقيدا، ولكنها أيضا بسيطة جدا، وأحد التحديات التي أواجهها، عندما أعكف على صنع عمل ما، هو استقاء الدروس على أصعدة متعددة وتحويلها إلى معرفة سهلة الفهم، ثم تقديمها للعالم على أنها شيء بسيط. أحب أن أفكر في الموسيقى على أنها شيء يمكن مشاركته بطريقة بسيطة للغاية، ولكن يمكن أن يكون ذلك إما من خلال التعمق في أغوارها أو بالارتقاء بها إلى مستوى عال جدا.
يُشار إليك بالبنان على أنك عبقري عصرنا الموسيقي، ما هو شعورك حيال ذلك؟
أعتقد أن الإغريق القدماء ينظرون إلى الكلمة بطريقة تستأثر الاهتمام. حيث يستعيضون عن وسم الشخص بالعبقرية التي يتصف بها، بكونها شيء يمتلكه وينفرد به، وأنا أعي هذا الشعور. أعتقد أن كل واحد منا يتصف بالعبقرية بطريقة ما، ويمكننا التدرب على جعل أفكارنا تؤتي ثمارها واطلاع الآخرين عليها. كما يُعد اقتناص الأفكار مهارة، تتحرر في الوقت المناسب، بحيث لا بد من توجيهها حتى لا تخرج عن نطاق السيطرة. وما أفعله هو أنني أبذل قصارى جهدي للتأكد من أن فكرتي لديها أفضل فرصة للبقاء على قيد الحياة في هذا العالم.
وقّع كوينزي جونز عقدا لتعمل معه عندما كان عمرك 19 عاما، هل لك أن تخبرنا كيف حدث ذلك؟
لقد وجد بعض مقاطع الفيديو الخاصة بي على الإنترنت وأرسل لي بريدا إلكترونيا، لقد كان أمرا لا يستطيع العقل تخيّله وتصديقه. وجونز لديه هذه القدرة الرائعة على التحلي بصفة العرّاب “الأب الروحي”، ولقد منحني كل الحرية والمساحة التي طلبتها بكل صراحة في ذلك الوقت. قلت: “أريد أن أفعل ذلك على طريقتي”. فقال: “لقد فهمت”. لقد شرّع الأبواب أمامي، وأشعر بالفخر لكوني أحد الأشخاص الذين فعل ذلك من أجلهم.
أنت تُمثل مصدر إلهام لكثير من الشباب – هل هُناك من نصيحه تود تقديمها لهم؟
افعلوا الأشياء وفقا لشروطكم وضمن الوقت الخاص بكم، وإذا كان لديكم فكرة، فثقوا بها لأنها ستعلمكم شيئا ما، وسترشدكم إلى مكان لم تكونوا تعلمون بوجوده من قبل. لا تدعوا أي شخص يجعلكم أنتم أو أفكاركم أصغر مما هي عليه، فإذا ما قمتم بخلق مكان لأنفسكم، سيفسح العالم مساحة لكم.