كثيرةٌ هي الكنوز التاريخية والتراثية التي تخبّئها دبي بين جنباتها؛ كنوز تشكل هوية وتاريخاً وجمالاً، تغوص في عمق المكان وأصالة التراث، لتختزل ذاكرة مرحلة وتؤرخ لها وتعكس معتقدات أهلها ومفاهيمهم وعاداتهم وآمالهم المشتركة، وتروي حكاية هذه المدينة العصرية وتوثقها من جيل إلى جيل. إنها معالم وصروح ترحب بالزوار لاستكشافها وخوض تجارب رائعة في بيئاتها المتنوعة.
مع بداية فصل الشتاء، والذي يُعدُّ من أجمل فصول السنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، تحلو السياحة في شتى أنحاء إمارات الدولة، والتي تتميز كلٌ منها بعناصر جذب متفردة. ومن هنا جاء مؤخراً إطلاق حملة “أجمل شتاء في العالم” لتعزيز السياحة الداخلية، وذلك عقب إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، استراتيجية السياحة الداخلية والهوية السياحية الموحدة لدولة الإمارات.
وبوصفها الجهة الحكومية المؤتمنة على قطاع الثقافة والتراث والفنون في إمارة دبي، تدير هيئة الثقافة والفنون في دبي “دبي للثقافة” عدداً من المواقع التراثية التي تعكس جوهر المدينة الغني وتراثها الأصيل، إضافة إلى إدارة عدد من المتاحف النابضة بالحياة في مواقع مختلفة من الإمارة، تشكل نافذة يرى من خلالها الزائر ماضي وتاريخ الإمارة العريق.
وتحرص الهيئة على تشجيع السياحة الثقافية في الإمارة من خلال هذه المتاحف والمواقع التراثية عبر توفير تجارب ثقافية ثرية وفريدة لزوارها من المواطنين والمقيمين والسياح. وتماشياً مع حملة “أجمل شتاء في العالم”، تحتفي “دبي للثقافة” بالمعالم السياحية الثقافية التي تحفل بها الإمارة لتعريف أفراد المجتمع عليها وتشجيعهم على زيارتها والتمتع بها عن قرب، متيحةً أمام الجميع إمكانية الوصول إلى مفرداتها الرائعة.
حي الفهيدي التاريخي
عالم من العجائب ينتظر الزائرين الفضوليين لكشف القصة الحقيقية وراء نهضة دبي وارتقائها إلى المكانة العصرية التي تتمتع بها حاضراً، والتي يتم سردها عبر العديد من الوسائط. ففي حي الفهيدي التاريخي بدبي يعايش الزائر نمط الحياة التقليدية الذي كان سائداً في الإمارة منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى سبعينات القرن العشرين، حيث المباني – ذات البراجيل الشامخة، والمشيدة بمواد البناء التقليدية، والأزقة والسكيك والساحات العامة، التي تضفي على الحي تنوعاً جمالياً طبيعياً.
ولأولئك الذين يبحثون عن تاريخ العملات في المنطقة لتتبع تطور المدينة، يمكنهم ذلك في متحف المسكوكات الذي يقع في أحد مساكن حي الفهيدي التاريخي. يتكون المتحف من طابقين، وهو مبني من الحجر المرجاني، والجص، وخشب الشندل، وسعف وجذوع النخل، وخشب الساج، ويتيح لزوّاره فرصة الاطلاع على أكثر من 470 عملة نادرة تعود إلى عصورٍ تاريخيّة مختلفة.
متحف الاتحاد
ولمن يودون الاستلهام من قصة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، فيمكنهم السفر داخل “متحف الاتحاد” الذي يحتفي بتفاني والتزام مؤسسي الدولة والروح الوطنية التي حملوها. يقع هذا المَعْلم الثقافي في شارع الجميرا بالقرب من موقع دار الاتحاد بدبي، ذات المكان الذي أعلن فيه عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في العام 1971، ويقدم معارض وبرامج تفاعلية ومبادرات تعليمية تستكشف التسلسل الزمني للأحداث، وصولاً إلى إعلان دولة الإمارات في العام 1971.
مجلس غرفة أم الشيف
وفي جولة داخل صرح تاريخي آخر شاهد على ماضي دبي ومسيرة تطورها، يتمكن زائرو “مجلس غرفة أم الشيف” في مدينة جميرا من استكشاف الأثاث والأدوات والأواني التراثية الخاصة بالمجلس الإماراتي التقليدي. أنشئ هذا المجلس في العام 1955 كمصيف للمغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، وكان يتخذ منه مقراً لدراسة القرارات المهمة التي أسهمت في نهضة دبي في السنوات التالية.
متحف الشندغة
وعلى واجهة خور دبي، يتربع متحف الشندغة كوجهة سياحية تدعو الزوار إلى اكتشاف التراث الغني للإمارات وقيمها التقليدية، كاشفاً عن العلاقة القوية التي تربط الماضي بالهوية الإماراتية المعاصرة.
يضم متحف الشندغة بين أقسامه جناح “خور دبي.. نشأة مدينة” الذي يشرح تاريخ الإمارة من خلال القطع الأثرية والمعارض المبتكرة، كما ينقل “بيت العطور” زوار المتحف في رحلة إلى عالم العطور الإماراتية وتاريخ صناعتها. أما الأطفال، فيمكنهم عيش أجواء من الاستكشاف والتعلم في “مركز مواريث”، وكذلك التعرّف إلى حكايات التاريخ ومظاهر التراث من خلال العروض الحية للحرف التقليدية.
قرية حتا التراثية
وفي قلب حتا النابض بالحياة، تقع قرية حتا التراثية التي تطل على جبلين، والتي تحيي تراث المنطقة في أكواخها التقليدية ومبانيها القديمة التي تم تحويلها لتصبح متحفاً مفتوحاً يشرح مناحي الحياة المختلفة في القرية القديمة التي تعود إلى 3000 سنة. وتضم هذه القرية التراثية الآن 30 مبنى تراثياً تقدم لمحة شاملة عن تاريخ المنطقة، بما في ذلك القلعة والحصن والمحلات التجارية التي توفر المنتجات التراثية التقليدية، كما توجد مجموعة من المزارع المجاورة مع قناة للمياه العذبة.
تتميز منطقة حتا بغناها بالمواقع الأثرية والمعالم التاريخية والمتاحف، كما تتيح للزوار التعرف على الصناعات التقليدية والانغماس بأشكال مختلفة للتعبير الفني التي تتاح للجمهور بفضل الفعاليات الثقافية المتواصلة التي تنظم على مدار العام، مثل المعارض أو المهرجانات. كما تتميز بمنحدراتها الوعرة، وينابيعها ووديانها الغنية بمزارع النخيل وأرضها الخصبة، ومناخها المعتدل، والأفلاج التي أُعيد ترميمها. لذلك تُعدُّ هذه المنطقة الحيوية مقصداً مثالياً ليس لمحبي السياحة الثقافية وحسب، بل أيضاً لعشاق الطبيعة والمغامرات.
تلك بعض الدرر التاريخية والتراثية التي تزخر بها مدينة دبي، وعبر شغفها الدائم في توطيد صلة الأجيال الشابة بالموروث الثقافي الإماراتي وترسيخ الشعور لديهم بالفخر والاعتزاز به، تلتزم “دبي للثقافة” بالحفاظ على تاريخ الإمارات وصون موروثها العريق، وتلعب دوراً حيوياً في تحقيق أهداف خطة دبي 2021 الرامية إلى ترسيخ مكانة الإمارة كموطن لأفراد مُبدعين ملؤهم الفخر بهويتهم الثقافية، وتعزيز مكانة الإمارة كوجهة جاذبة للسياحة الثقافية.